عندما أرحل تذكروا إني بذلت كل ما في وسعى لأبقى»، جملة قريتها من كام يوم معرفش مصدرها ولا المقصود بيها بس عبرت إلى قلبي بسرعة الصاروخ عشان شوفت إنها بتلخص حال جيل بأكمله وغالبا أجيال كتير جاية بعديه! جيل أكاد أجزم إن نحسه يفوق نحس الزمالك قدام الأهلي، عشان مشافش حاجة حلوة في البلد إلا قليل وعلى استحياء! اللي قبلنا فيه اللي شافوا عبد الناصر وآمنوا بسياساته وفيه اللي عاصروا السادات واحتفلوا بانتصاراته.. إنما إحنا شوفنا كل ده في أفلام أحمد زكي بس! وده لإننا جيل «موكوس» مع مرتبة الشرف!وعينا على الدنيا لقينا بؤس بس.. وعشان معرفناش ولا شوفناش غير البؤس فالبؤس بقى العادي… الزحمة، المرمطة وقلة القيمة في المصالح الحكومية، المية اللي لونها كحلي مترب، الهوا اللي بيجيب اختناق يؤدي إلى حساسية الصدر، التعليم اللي ماشي يتعكز والعيشة الصعبة المكلكعة! ومع كل ده معظمنا حافظ على مشاعر الحب والوفاء اللي عنده للبلد وطبعا ده مش بسهولة عشان كل يوم بنقابل حاجات في حياتنا بتصعب استمرار العلاقة ومع ذلك بنفضل نحاول!
بس ساعات بتجيلك لحظات اليأس وفقدان الأمل… الأول كنت بتعشم نفسك إنك إذا كنت معشتش طفولتك وأيام المدرسة وبعدها الجامعة في بلد «نضيف» ف مش مشكلة مفيش نصيب واللي جاي أحلى والمهم تلحق تشوفها نضيفة قبل ما تقابل رب كريم… بعدين الأمل بيفضل يتسرسب منك حبة حبة لغاية متوصل إنك تتمنى ولادك يلحقوا النضافة أو أحفادك لو زنقت أوي! و تفضل في دايرة الأمل وفقدان الأمل مش عارف تخرج منها تروح فين… والأسوأ لو سافرت برة أسبوع ولا أسبوعين، شغل ولا فسحة، فترجع تلاقي نفسك بتتعصب وتستفز من أقل حاجة وكل حاجة فجأة بتضغط على أعصابك.. عربية تزنق عليك، واحد يديك كتف عشان ياخد دورك في طابور ده لو فيه طابور أصلا، موظف يعاملك كإن عليك فلوس وظابط يتنطط عليك وكإنه ماسكك بممنوعات.. فتكره عشتك ولون باسبورك وتبتدي تسيطر عليك فكرة الهروب الكبير!
وبعدين لما تهدى، ترجع تحلم تاني بالمستقبل البعيد أوي.. وتتشبث بسعادة مش موجودة غير وسط الأهل والصحاب.. وتشوف واحد بياكل من زبالة ولا واحدة بتشحت عشان تتعالج ولا أب بيموت بنته عشان معهوش يأكلها فتتكسف من نفسك وتقول طابور إيه اللي مضايقني! وتقرر إنك حتركز في شغلك وحتقوم بدورك وحتحاول تساعد وكلها كام سنة والحال يتعدل… وميتعدلش… عشان الموضوع أكبر منك بكتير.. وعشان الناس اللي ممكن تصلح مش بتاخد فرصتها…والناس اللي مش بتفكر غير في نفسها بتاخد مليون فرصة…وعشان اللي دورهم يحسنوا الوضع مش فاضيين… عشان مشغولين في صراعات على كراسي بلاستيك… وعشان الظلم كتير قوي… وعشان فيه ناس بتنسى إن فيه حساب… وفيه ناس منظر الفقير مبيوجعهاش وشكل الجعان مبيأثرش فيها…وعشان فيه ضماير ماتت وقلوب إتحجرت.. فكل ده يخليك تحبط وتيأس… واليأس خيانة بس العشم وحش… والعشم مرة واتنين وتلاتة أوحش وأوحش… فتسأل نفسك: لحد إمتى؟ لحد إمتى حقضى عمري كله بحاول «أعيش» ومش عارف؟! لحد إمتى حفضل أحلم إني صحيت لقيت نفسي بني آدم؟! ولحد إمتى حفضل أحاول؟! ولا حعيش وأموت كده ويبقى يكفيني شرف المحاولة؟!!