موضوع: مينا ثابت يكتب الانفـجــار الثلاثاء ديسمبر 09, 2014 7:31 pm
الأمل فى أعقاب ثورة يناير ولد الأمل فى نفوس الكثيرين حول تغيير يلوح فى الأفق، تغيير شامل فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حيث عُلقت آمال فى غدٍ أفضل متبلوراً فى صورة شعارات نادت بـ العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الأنسانية. وصل الامل مداه الى قلوب الكثيرين بعد أعلان اللواء عمر سليمان عن تنحي مبارك وانتصار إرادة الملايين فى إزاحة رأس النظام الفاسد، واعتبروه بداية لحلم التغيير الذى راود أجيال متعاقبة ناضلت فى سبيله لعقودٍ لم يستمر هذا الأمل طويلاً، بل ظل يخبو بمرور الوقت، حيث وضع الشعب ثقته فى قواته المسلحة بينما خان قادة المجلس العسكرى الثورة وعقدوا صفقة مع التيار الاسلامى برعاية مختلف الاجهزة الامنية والسيادية-النظام-التي لم تكترث لخطورة تأجيل مشروع التغيير الحتمى الحدوث و أخذت في المماطلة وحاولت بكل قوتها وأد أية دعاوى للتغيير، بل سعت بكل قوتها لتشويه الثورة وشبابها الذى أتُهم بالعمالة والخيانة تارة والتدريب في صربيا تارة أخرى. أرتكبت تلك الأجهزة الخطيئة الكبرى حينما وضعت يدها فى أيدي التيارات المتطرفة وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وضمنت تلك التيارات الخروج الآمن لجميع قادة المجلس العسكري في مقابل كرسي الحكم الذى طال انتظاره،وجد النظام ضالته في تيار الاسلام السياسي،ووجد الأسلام السياسي فرصته الذهبية للوصول للحكم بكل سهولة وهنا تلاقت مصالح الطرفين، فأحدهم يلهث وراء الحكم منذ نشأته من أجل وهم الخلافة، و الأخر وجد من هو أسوء منه ليحقق وهم الاستمرار حيث يتمكن من غسيل سمعته بالإضافة الي إيهام شرائح مجتمعية خاملة سياسياً بأن كل تدهور فى الأوضاع سببه المطالبة بالتغيير. نجح النظام فى تشوية الثورة وساهم “غباء” وعدم خبرة كثير من رفقاء النضال فى ذلك، نجح النظام فى العودة الى السلطة، ونجح الاخوان فى صنع مظلوميتهم التاريخية كالعادة، وفشل دعاة التغيير والخاسر الوحيد فى المعادلة هو المواطن البسيط. ضحالة الرؤية وسطحية المعالجة رفض النظام مشروع التغيير ظناً منه أنه يستطيع الاستمرار، لم يشعر بأن هنالك جرائم و فساد مستشري داخل أجهزة الدولة أدى الى الأنفجار في 25 يناير 2011، لم ينتبه الى خطورة تفريغ الحياة السياسية من مضمونها وسيطرة التيار المتطرف علي المجتمع، لم ينتبه الى حتمية التغيير؛ حتى أنه لم يسعي الي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى قد ترفع عنه بعض الضغوط السياسية، بل سعي لتعزيز قبضته وفرض مزيد من القيود على الحقوق والحريات وسخّر كامل أجهزته وقدراته فقط فى مواجهة دعاة التغيير لا فى التصدي للتشكيلات العصابية، أو للتيارات المتطرفة التى تهدد كيان الدولة بالفعل، ظل يلهث وراء مراقبة مواقع التواصل الاجتماعى واستصدار حزمة من القوانين والتشريعات لتقييد كل أشكال المعارضة السياسية، بل أنه انشأ فرع جديد للشرطة ومنحها سلطة الضبطية القضائية تحت مسمي “الشرطة المجتمعية”، على أن يكون مابين 18 لـ 22 سنة وفقط أشترط الحصول على الشهادة الاعدادية أو مايعادلها لتتحول الى دولة “أحمد سبع الليل” في فلم البرئ. إصطدم بشباب الجامعات بعد أن أعلن عن عدم السماح بالنشاط السياسي بالجامعات ليدشن خطواه جديدة فى القضاء على أي أشكال النشاط المجتمعي و يدفع نحو مزيد من القيود على المجال العام وكأنه يتعامل مع فكرة التغيير على النحو التالي : ” مين الي طالب بالتغيير … الشباب .. يبقوا خونه و عملاء” طب عملوا ايه ..تظاهروا فى ميدان التحرير … خلاص نقفل محطة التحرير و نمنع التظاهر. طب الشباب برضه بيتظاهر!! .. خلاص نقتلهم او نسجنهم احسن. طب مين الى بيدافع عنهم !! … المنظمات الحقوقية… خلاص نقفلها و تبقى خاينه بتمول الإرهاب. طب الإرهابيين بيقتلوا الجنود فى سيناء و الإرهاب مبيوقفش … خلاص نهجر الناس علشان نعرف “ندب” براحتنا !! عندنا نقص وسطحية في المعلومات… خلاص نزود عدد المخبرين .. أفتح يابنى فرع الشرطة المجتمعية!! “. بهذه السطحية يتعامل النظام مع حتمية وضرورة التغيير، بهذا الجهل وقصر البصيرة يدفعنا النظام الى الدخول في النفق المظلم الذي يطول مع دوام نعمة الغباء لديه. النفق المظلم سيدخلنا النظام الى نفق الفوضي المظلم، فلن يصمت الشعب كثيراً في مواجهة الفساد و المحسوبية والطبقية التى وصلت لرفض تعيين أبناء الفلاحيين والبسطاء فى النيابة العامة، لن يصمت أمام سوء الاوضاع الاقتصادية والأدعاء بـ ” مش قادر أديك ” فى مقابلة عشرات القرارات بمعاشات استثنائية لضباط القوات المسلحة والشرطة، لن يصمت أمام انتهاكات الداخلية التى لم تعي الدرس حتى الان، لذا فأتوقع الأنفجار قريباً، و لن يكون أنفجار منظم سياسياً وله أهداف محددة، بل سيكون عشوائياً ولن تكون ثورة بل سنجد انفسنا أمام الفوضي التى يجيد استغلالها التيار المتطرف، وللاسف لن يواجهها النظام بعقلانية أوبحلول، بل سيفرط فى أستخدام القمع والقوة والعدائية أعتقاداً منه بأنه فشل فى أحتواء الأزمة بعدم استخدام ما يكفى من قوة والذى وضح جلياً بعد مذبحة العريش الأخيرة، حيث أستغل النظام تلك الحادثة لتمرير عدد من القرارات والقوانين والتى تقريبا حولت الجمهورية الى معسكر كبير، فأصبحت أغلب مؤسسات الدولة في حكم المنشأت العسكرية بما في ذلك شبكات الطرق و الكباري وبالتالي جرائم التظاهر، مشكلات الجامعات، الاحتجاجات الاجتماعية عرضة لأن تقع تحت طائلة المحكمة العسكرية. سيدعي النظام أن كل ذلك لمواجهة الإرهاب، سيدعي أن الوطن في خطر ويجب حمايته و هذا حق يراد به باطل، فليس معالجة الإرهاب تكمن مزيد من القمع بل مزيد من الديمقراطية و أحترام حقوق الإنسان. سبل الحل الحل ببساطة يكمن في فتح المجال العام والسماح للجميع بممارسة السياسة والتعبير عن الأراء بكل حرية، أن تكف الداخلية يدها عن الحريات العامة وتقتصر مهامها على حفظ الأمن فى البلاد ومقاومة الجريمة وإعمال القانون بدون تمييز أو محسوبيات أو مواربة، فصل مؤسسات الدولة عن المعادلة السياسية خصوصاً المؤسسات الدينية بالأضافة الى القيام بحركة تنقيح ومراجعة دقيقة للتراث الدينى و إعادة صياغة لكثير من الموروثات الخارجة عن أطار الزمان والمكان. الحل يكمن فى أن يغّير النظام من نفسه، لا أن يحاول قتل وتكميم أفواه دعاة التغيير، أن يدرك أنه لم يعد هنالك وقت لمزيد من المناورة وأن الاستمرار على هذا الحال أصبح مستحيلاً و غير مقبول ومحتوم بنهاية كارثية.